اختارت الموت لتنقذ رضيعها.. «نهى» ضحية «سيارة الحى»

نهى) ماتت.. معقول.. دى مكلمانى من وقت قصير، وحكت لى إنها في طريقها لشراء لبن لابنها الرضيع»، هكذا صرخت والدتها، مخاطبة زوج ابنتها «أحمد» عندما أبلغها بخبر دهسها بسيارة ربع نقل تابعة لحى شبرا الخيمة في القليوبية لتفادى طفلها، الذي لم يتجاوز شهره السابع لتلقيه على الرصيف.

وعقب نقل «نهى» إلى المستشفى، تركها الأطباء تنزف قرابة الـ9 ساعات، دون تدخل، لتلفظ أنفاسها الأخيرة على باب غرفة العمليات.

«نهى» شابة في أوائل الثلاثينيات، أنجبت طفلًا وحيدًا، اسمه «عمر»، اعتادت شراء لبن صناعى له من الوحدة الصحية، التي تبعد بضع خطوات عن منزلها، حظها العاثر قادها أمام سائق متهور كان يسير بسرعة جنونية، قبل الثامنة صباحًا.

رغم هدوء حركة الطريق، فلم يكن أمامها سوى أن تلقى بالرضيع على الرصيف ليلتقطه «أولاد الحلال»، بينما دهستها السيارة، ومرت على قدميها، ونُقلت بسيارة الإسعاف مع ابنها إلى المستشفى لفظت أنفاسها الأخيرة، قبل دخولها غرفة العمليات، حيث كان طلبها الأخير احتضان الابن المصاب بجُروح في رأسه، لكنه نجا من الموت بأعجوبة، في الوقت الذي سلم فيه السائق نفسه للشرطة قبل الوفاة.

«لا حياة، ولا طعم للنوم ولا الراحة، ابنى يتألم، يشعر بفقدان أمه، وأنا أعيش له أمًّا وأبًا قدر استطاعتى»، يتنهد زوج المجنى عليها حزنًا عندما يستذكر تفاصيل الحادث، ويزيد ألمه ما مرت به الزوجة من إهمال واستهتار- على حد قوله، إذ كان سائق السيارة التابعة للحى يقودها برعونة شديدة.

وحين سلم نفسه لقسم الشرطة أُحيل إلى النيابة العامة فورًا ليُخلى سبيله، قبل أن تلفظ الزوجة أنفاسها الأخيرة، حيث قال الأطباء إن حالتها الصحية مستقرة، ووظائف الجسد الحيوية سليمة، رغم أنهم تركوها تنزف 9 ساعات مستمرة، مع صراخها الدائم واستنجادها بهم لدخول غرفة العمليات، التي ما إن دخلتها حتى ماتت، «دمها اتصفى»، لقطع أوتار متصلة بشرايين القلب.

«كانت (نهى) تتواصل معنا، وتتحدث إلينا طيلة رقودها على تروللى بالمستشفى، وتطلب شربة ماء، وتطمئن على أحوال ابنها الرضيع.. ماتت عطشانة»، تقول والدتها إنها رفضت إعطاءها المياه بناء على نصيحة الأطباء بأنها أخذت «بنج»، ولا يجوز معه ابتلاع سوائل، رغم التخلى عنها لساعات طويلة حالت دون إنقاذها، «وما إن سمعت صراخها عاليًا من داخل غرفة العمليات حتى تأكدت من وفاتها، ليحدث بعدها هرج ومرج، ويطلب منّا الأطباء الخروج، وأن نأتى في اليوم التالى بزعم دخولها غرفة العناية المركزة، وهى ميتة في الأساس!».

«كانت (نهى) سيدة مثالية، كنا نستغرب نشاطها وخدمتها للأهالى وحبها للصغار، وأنها تُحفظهم القرآن الكريم بلا مقابل، وكانت تقول: عندما أموت سيكونون لى عونًا في آخرتى، لذا كانت تهتم بأدق تفاصيل حياتهم حتى يكونوا صالحين، فبكى عليها الكبير قبل الصغير».. تتذكر أم المجنى عليها كيف كانت ابنتها محبوبة من الجميع، ولم تتصور أن تكون نهايتها هكذا، وأمرت النيابة العامه بنقل جثمانها إلى مشرحة زينهم للوقوف على أسباب وفاتها سواء كان جراء الإهمال الطبى أم حادث الدهس، إذ اتهموا إدارة المستشفى وسائق السيارة بالتسبب في الوفاة.

مع ابتلاء أسرة «نهى»، طلبوا سرعة إصدار تقرير الطب الشرعى لأخذ حقها بالقانون ومعرفة الجانى الحقيقى، يقول أخوها الأكبر: «قبلنا تشريح جثتها للتوصل إلى الحقيقة، ولكى لا يضيع حقها، السائق تم استجوابه قبل وفاتها، ولم يكن أحدنا موجودًا، نرجو إعادة التحقيق معه، واستدعاء الطاقم الطبى، الذي ترك الضحية تموت بالبطىء».

وكان الشقيق الأكبر لـ«نهى» في ذهول حين أبلغه أمين شرطة في المستشفى: «شدّ حيلك، أختك ماتت»، نظر في عينيه، وقال: «أخت مين تقصد؟!»، ويشرح أن الصدمة ألَمّت به وجعلته يردد كلامًا غير مفهوم، إلى درجة أنه نزل إلى ثلاجة حفظ الموتى، فوجد جثتها، وأخذ يهزها، قائلًا: «إصحى يا (نهى).. اصحى.. إنتى عايزة توجعى قلبى ليه عليكى؟!».

«أخبرتنى قبل دخولها العمليات أنها ستخرج وستكون بخير، وكيف أنها فرحانة بنجاة ابنها (عمر)، وطلبت منى احتضانه، وكررت طلبها على مسامعى: (عطشانة.. عطشانة)، وكنت أحاول أن أهدئ من روعها، على الرغم من أنها كانت تتألم».

شقيق «نهى» قال إنه كان في أحلك الظروف، حيث كان يتخيل بتر قدميها: «كانت تخبرنى أننا سنلتقى، لقد أقسمت أننا سنجتمع مجددًا، لكنها رحلت، رحلت دون وداع».. الأخ الأكبر لـ«نهى» يجهش بالبكاء: «عايز حقها».