مها الوكيل تكتب..
«الطمع يقل ماجمع»


يحصل على راتب كبير وميسور الحال، ويعيش هو وأسرته حياة كريمة مع ما حباه الله به من وظيفة ذات مكانة كبيرة في المجتمع، لكن تطالعنا أجهزة الرقابة الإدارية ذات يوم بالقبض عليه متلبسا بالحصول على رشوة مقابل تنازله عن أمانة ائتمنته عليها الدولة، ومهما تكن الأموال التي تحصل عليها قبل واقعة القبض عليه كبيرة إذ إن ربك يستر العبد مرة ومرتين وثلاث مرات ولا يفضحه من أول مرة؛ هنا يكون ما اكتسبه من ملايين الجنيهات وربما الدولارات ليس كافيا له ولأسرته فيطمع في المزيد وهنا أستدعي المثل القائل: “الطمع يقل ما جمع” ومع الفارق بين الحلال والحرام، نضيف على المثل “ولو في الحرام”. وحري بأجهزة الرقابة تفعيل قانون “من أين لك هذا؟” حتى تسترد كل ما اكتسبه بغير وجه حق وبأي شبهة من الشبه وإيداع هذه الأموال خزينة الدولة فيعود صاحبنا على الحديدة كما يقولون.
ويتناسى صاحبنا الذي ارتشى ومات ضميره أنه يطعم أولاده وأسرته من الحرام ويغذيهم بالسحت، وأنه يعرضهم لنار جهنم؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كُلَّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يتناسى أيضًا أنه كيف يبارك الله في ذريته من بعده وقد ترك لهم إرثًا فاسدًا؛ وهي أموال جُمعت من حرام.
وهل يأمل خيرًا في هذه الذرية الملحفة بالحرام بأن تدعو له وهو في قبره أو تترحم عليه أو تعمل له صدقة جارية من هذه الأموال المسمومة التي أورثها لهم وخسر بسببها آخرته؛ ليشتري دنيا غيره كما روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: “كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ” فهو يعصي الله تعالى ويمد يده للمال الحرام، ويعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة، لا من أجل أن يتنعم هو بالدنيا، ولكن ليتنعم بها غيره وهم أولاده من بعده.
ولذا يجب علي كل إنسان خائف على ذريته من بعده أن يتذكر قول الله تعالي ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾، ولا يمد يده إلى المال الحرام والذي هو مثل ماء النار تحرق ما يلمسها.
والمال الحرام كما قيل مثل ماء البحر كلما شربت منه ازددت عطشًا، والمال الحلال مثل الغيث النافع أينما نزل نفع، وليعلم أيضًا كل إنسان أن الأرزاق مقسومة، وأن كل إنسان سيأخذ رزقه الذي قسمه الله سبحانه وتعالى ولو بعد حين طال الزمن أو قصر، ولايستعجله بالحرام حتي لايكون وبالا عليه.