في ذكرى ميلاده.. تفاصيل 3 فرمانات عائلية منعت بشارة واكيم من الزواج
لن تصادف في حياتك نموذج يشبه هذا الرجل، الدراما في حياته مكتملة الأركان، الفقر والجهل والمرض في مواجهة السلطة والثراء، الحب الضائع، وغدر الأصدقاء، وحربًا عالمية تحرمه من شهادة الدكتوراه، التفاصيل كثيرة بقدر السنوات التي عاشها والنجومية التي حققها، فقير يلتحق بالمدارس الفرنسية مدفوعًا بطموح أسرة تطمح لأن يصبح نجلها سفيرًا أو وزيرًا لكنه يختار الفن، تعاقبه الأسرة وتلجأ للكنيسة لردعه فيتراجع قليلًا، يحصل على منحة للحصول على دكتوراه في القانون بفرنسا، لكنه لا يستطع السفر بسبب ظروف الحرب، مسيحي يحفظ القرآن الكريم، يعيش قصة حب أفلاطونية يكتب الشعر سرًا لأجل حبيبته، لكنه يموت عازبًا وعمره 59 عامًا، فشل الأطباء في تخفيف آلام مرضه فيسمحوا له بزيارة المسرح باعتبارها أمنيته الأخيرة، وبعد 3 زيارات يستعيد حيويته، وحين يعتقد الجميع أنه شفي يفارق الحياة، هكذا صنعت الحياة الأسطورة التراجيدية لعبقري الكوميديا بشارة واكيم.
السيرة الذاتية لـ بشارة واكيم
الاسم الحقيقي بشارة يواقيم مولود في 5 مارس عام 1890 بحي الفجالة في القاهرة، نشأ بين قلعة الكتب وأحضان الشعر، وكان أبناء الشام هم الأقرب إليه بين جيرانه، أحبهم وأتقن لهجتهم للدرجة التي جعلت البعض يعتقد أنه لبناني، وعزز من هذا الاعتقاد إتقانه للغة الفرنسية التي تعلمها بمدارس الفرير، وكانت أسرته تعتقد أن هذه المؤهلات تفتح له الطريق ليصبح سفيرًا أو وزيرًا خاصة بعدما التحق بالمدرسة الفرنسية للحقوق.
كانت أسرة بشارة واكيم معجبة بنهمه لتعلم الفرنسية تتابع بفخر حرصه في أول أعوام دراسته بمدرسة الحقوق على مطالعة الصحف الصادرة بهذه اللغة، والفنون المكتوبة بها ولم تمنعه من حضور ندوات فرقة الشيخ سلامة حجازي لمناقشة أعمالها المأخوذة عن الأدب الفرنسي، وسمحت له بالتردد على المسرح، لكنه لم يذهب لتحسين علاقته باللغة الفرنسية، بل كان يشبع غرامه بمراقبة أجواء التمثيل من خلف الكواليس إلى أن انتبه له الشيخ سلامة حجازي وحين عرف بحبه للفن وعده بأن يضمه للفرقة من باب الهواية، وطلب منه أن يهتم بالحصول على شهادته أولًا، لكن وصلت هذه الأنباء للأسرة التي كانت تعتبر الفن كارثة تهدد مستقبل وزير العائلة المنتظر، فعقد مجلس العائلة اجتماعًا طارئا للفصل في هذا الأمر.
انتهى اجتماع مجلس عائلة بشارة واكيم إلى 3 قرارات، وفقًا لتصريحات تلفزيونية للمؤرخ السينمائي الراحل حسن إمام عمر، الأول تعيين فردين لمراقبة تصرفات الشاب المهووس بالفن، والثاني إجباره على التركيز في دراسته فقط أو حرمانه من مغادرة المنزل، والثالث الاستعانة بقس الكنيسة ليصل من أجل طرد الشيطان الذي غوى الطالب المجتهد طمعًا في رجوعه عن سكة «المشخصاتية».
اقرأ أيضاً
الشيخ سلامة حجازي يعيد بشارة واكيم لمدرسة الحقوق
أعلن بشارة واكيم تراجعه عن سكة الفن، ليس من باب الانصياع لرغبات عائلته، بل التزاما بوعده للشيخ سلامة حجازي، وحين تخرج من مدرسة الحقوق عمل كمحام لفترة قصيرة ثم عاد ليطرق أبواب الفن، وتمكّن من الانضمام لفرقتي عبدالرحمن رشدي وجورج أبيض، وفقًا لما جاء في مذكرات الكاتب المسرحي سمير خفاجي، وكانت هذه الخطوة كفيلة بتشكيل مجلس حرب داخل عائلته واتهامه بأنه عاد لسكة الشيطان والدليل أنه حلق شاربه، بما له من رمزية كبيرة ارتبطت بالرجولة والوجاهة الاجتماعية وقتها، وقرر شقيقه الأكبر طرده من المنزل، وقررت اسرة الفتاة التي احبها أن تفسخ خطبتهما، بل وزوجتها سريعا، وقتها لم يجد عاشق الفن مكانا يستوعب أحزانه سوي المسرح، كان يقف على خشبته في وجود الجمهور، وينام بين أروقته حين يصبح وحيدًا، لذا كان يحب المسرح أكثر من السينما.
أفلام بشارة واكيم وأشهر إفيهاته
كان بشارة واكيم من أوائل النجوم الذين عملوا في السينما ورحلته معها بدأت بالفيلم الصامت «برسوم يبحث عن وظيفة» عام 1923، وتنوعت بعدها أدواره إلى أن وصل لأول بطولة مطلقة عام 1942 بفيلم «لو كنت غني» للمخرج هنري بركات، والذي أطلق خلاله الإفيه المدهش «الشحات الغني.. مات»، وهي واحدة من عشرات الإفيهات التي ترتبط بشخصياته السينمائية في العديد من الأفلام مثل: (بسلامته عايز يتجوز، الباشمقاول، انتصار الشباب، العريس الخامس، ليلى بنت الفقراء، قلبي دليلي، وغرام وانتقام)، إضافة لسلسلة أفلام مميزة قدمها مع نجيب الريحاني أبرزها «لعبة الست» الذي قدم خلاله دوره الثري اللبناني.
أسباب حفظ بشارة واكيم للقرآن الكريم
كان بشارة واكيم يجيد اللغة الفرنسية بسبب دراسته، وخلال عمله بالفن حصل على منحة دكتوراه في القانون بفرنسا لكنه لم يستطع السفر بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وفي ذات التوقيت كان يقدم أدوارًا على المسرح بالفصحى، لذا كان حريصًا على تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم بالرغم من أنه قبطي لأنه كان يؤمن بأن من يريد تثقيف نفسه في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن الكريم ويفهم معاني آياته، كما أنه كان يتمتع بموهبة نظم الشعر الموزون، ووفقًا لتصريحات تلفزيونية للمؤرخ السينمائي حسن إمام عمر، فقد ألح عليه الفنان أنور وجدي بطباعة ديوان لأشعاره لكنه رفض، لأنه كان يكتب الشعر لنفسه فقط، والحقيقة أن الشعر كان الجانب العاطفي التي يحفظ له سر حبه القديم لبنت الجيران التي فقدها بسبب الفن.
بشارة واكيم يعود لحبيبته الأولى
كان الفن السبب الحاسم في تخلي أسرة بشارة واكيم عنه، والفن أيضًا هو من أعادهم إليه بعد أن أصبح نجمًا معروفًا وتدخل الأب لدى مجلس العائلة وعادت المياه إلى مجاريها، وتصادف أن يمنحه القدر فرصة أخرى لاستعادة حبه القديم بعد أن خطف الموت زوجها وتركها أرملة تتحمل مسؤولية 5 أبناء، وطرق العاشق القديم بابها مرة أخرى لمواساتها، لكن قبل أن يطوي كلاهما مرحلة الحزن، أصبحت شقيقة بشارة أرملة، فقرر أن تقيم معه هي وأولادها ليرعاهم، مع تكفله أيضًا برعاية أبناء حبيبته الأولى.
آخر ظهور لـ بشارة وكيم على المسرح والسينما
كان بشارة واكيم يعتبر نجيب الريحاني صديقه المقرب، ولم يتوقع أن يخذله في محنة المرض التي أصابته وتسببت في سقوطه على المسرح خلال عرض «الدنيا لما تضحك»، وقتها طلب منه الريحاني أن يستريح قليلًا وسيحصل على أجره كاملًا لكنه لم يتقبل الأمر، وقرر العمل لدى فرقة أخرى لكن المرض لم يمهله، فقرر الأطباء حجزه داخل المستشفى وظلت حالته تتدهور ووصل لحالة أقرب للشلل التام، لدرجة أنهم وافقوا على طلبه بأن يزور المسرح معتبرين الأمر أمنية أخيرة، ولكنه استعاد عافيته ودبت فيه الحيوية بعد 3 زيارات، وظنوا أنه يتماثل للشفاء فسمحوا له بالعودة للعمل تدريجيًا، وتسلم سيناريو الرواية الجديدة وذهب للمنزل، ودخل غرفته ليحفظ دوره، نام ووجهه مغطى بالورق ليستيقظ الجميع على خبر رحيل عبقري الكوميديا في 30 نوفمبر عام 1949، لكن سيرته ظلت عالقة في ذاكرة وقلوب محبيه عبر عشرات المسرحيات وأكثر من 100 فيلم سينمائي كان آخرها «حلم ليلة» من تأليف وإخراج صلاح بدرخان.
