في ذكرى رحيل «شيخ البلد».. حكاية كدبة فتحت أبواب السينما لـ شفيق جلال


قصة حياته موال طويل، أوله لحظة ميلاد تحولت لحكاية يرددها أبناء حي الدرب الأحمر باعتبارها معجزة، الطبيب توقع وفاته بعد ميلاده بـ7 أيام، لكنه عاش 71 عاما، حبه لـ عبدالوهاب تسبب في طرده من المدرسة، فقرر الأب أن يلحقه بالعمل في مصنع أحذية، لكنه أصبح «مطرب الورشة»، وبعد سنوات من العذاب.. فتحت له السينما أبوابها بسبب كذبة اخترعها أحد أصدقائه، لكنها «جابت نتيجة» وأصبح شفيق جلال أهم مطرب شعبي.
ولد شفيق جلال عبدالله حسين البهنساوي في حي الدرب الأحمر، في 2 إبريل عام 1929، وكان مشهد الولادة أصعب من قدرات «الداية»، خاصة أن الجنين المنتظر هو الابن البكري لأم لم يتجاوز عمرها 13 عاما، وأمام الخوف من شبح أن تفقد حياتها، جرى استدعاء الطبيب الشهير الدكتور «شفيق»، وبعد ساعات من الصراخ والألم.. وبالتحديد في الثالثة والنصف فجرا، وضعت الأم جنينا صامتا يفتقد كل مظاهر الحياة، كان أقرب لقماشة سوداء، فطلب الطبيب إحضار طبق مياه ساخن، وآخر باردا، ومنفاخ عجل ومسطرة، وسكب على جسد الطفل المياه الساخنة ثم الباردة، وأجرى له تنفسا صناعيا بالمنفاخ، ثم رفعه من قدميه، وترك رأسه في الأسفل، وظل يضرب قدميه بالمسطرة، وبعد دقائق انطلقت صرخات الطفل، فنظر إليه الطبيب وقال لجده «لو فضل عايش بعد 7 أيام سميه على اسمي».
تحول مشهد ولادة شفيق جلال لحكاية يتداولها أبناء الحي، وكانوا يعدون الأيام وفقا لنبوءة الطبيب، لكن بعد مضي 9 أيام غادرت أسرته المكان، لتنقل إقامتها إلى حي الأزهر، وأصبح المولود الجديد يحمل اسم ولقب الطبيب الذي أنقذ حياته، وأصبحت أسرته تتعامل معه باعتباره «الدكتور شفيق»، ورغبة منهم في أن يصبح اللقب حقيقة، جرى إلحاقه بمدرسة حي الجامع الأحمر في باب الشعرية، سنة 1936، وكان في هذه السن يهوى الغناء للمطرب الشهير محمد عبدالوهاب، وكلما سنحت له الفرصة كان يصعد فوق «التخته» ويغني (يا بنك مصر.. ده عيدك عيد الوطن والمال)، وكثيرا ما تعرض للعقاب بسبب هذا الأمر.. إلى أن قررت إدارة المدرسة عام 1939 فصله نهائيا بسبب هذا السلوك، فقرر والده أن يلحقه بإحدى الورش ليتعلم صنعة، واختار له مصنع أحذية.
شفيق جلال مطرب الورشة
أطلق زملاء شفيق جلال، عليه لقب «مطرب الورشة» لأنه اعتاد أن يمتعهم بأغاني عبدالوهاب.. في فترات العمل وفي مناسباتهم الخاصة، وقبل أن يمضي أول أعوامه مع مهنته الجديدة، وبالتحديد في عام 1941 وقع خلاف بين والديه.. وصل إلى حد الطلاق، وكان الابن يوزع إقامته بينهما، وفي أحد الأيام التي كان فيها بصحبة والده، كانا جالسين على مقهى خلف سينما العتبة، ومر أمامهما محمود النحاس صاحب الفرقة الموسيقية التي غنى معها «شفيق» في فرح أحد زملائه بالورشة، واقترب منهما وصافحهما، ثم أخبرهما أنه ذاهب لإحياء فرح شعبي، وعرض على الطفل الموهوب في الغناء المشاركة في الفرح مقابل 20 قرشا، ونصف «النقوط» التي سيجمعها من المعازيم، وبالفعل ذهبا معه وعادا من الفرح ومعهما 70 قرشا، وكان مبلغا كبيرا وقتها.
اقرأ أيضاً
حسام حبيب .. أزماته فى حياة شيرين عبد الوهاب عرض مستمر
التفاصيل الكاملة لجدل عودة شيرين عبدالوهاب لـ حسام حبيب.. وعلاقة جدته بالأخبار
القصة الكاملة لطلاق سعد الصغير من زوجته الثانية بعد زواج عام
رياض الخولى يشارك فى مسلسل ”جزيرة غمام” مع طارق لطفى وفتحى عبدالوهاب
حكاية شائعة تسببت فى تباعد فنى بين أم كلثوم وعبد الوهاب وتوقف فيلم يجمعهما
شوف خد مين معاه .. حسن يوسف يكشف ما فعله العندليب عندما دعاه على العشاء
مجلس الشيوخ يوافق نهائيا على قانون ”حقوق المسنين”
شعر شيرين عبد الوهاب راح فين.. هل يمكن التبرع به لمرضى السرطان؟
وصول جثمان الفنان محمد عبد الحليم إلى مسجد شريبة لأداء صلاة الجنازة
تعليق شيرين عبد الوهاب على شائعة حلاقة حسام حبيب شعر رأسها.. تفاصيل
رئيس هيئة الاستثمار يبحث فرص الاستثمار المشترك مع ممثلي الحكومة المجرية
الدموع جفت فى عينيها.. عندما أعطت السندريلا درساً لـ نجاة فى البكاء
قرر والد شفيق جلال، أن يحتفظ بحضانة نجله، وأن يساعده في احتراف الغناء، رغم أن عمره وقتها لم يتجاوز 11 عاما، واستأجر غرفة في «لوكاندة الرشاد» على ناصية شارع الموسكي في العتبة، وظلا ما يقارب العام يطرقان كل أبواب الفن، وتحول الابن لمطرب أفراح، وكانت أبرز تجاربه في هذه الأيام مشاركته في فرح بمدينة السويس، غنى فيه هذه الكلمات (الحرب يا ورانا، والبمب ياما جرانا، هو أنت يا رب هتنسانا، خليك معانا يا موالنا، الحرب ياما ورانا)، وبعد عام من اللف والدوران في الأفراح قرر الأب أن يدخل ابنه مدرسة الفن الحقيقية المعروفة في ذلك الوقت، وهي «شارع محمد على»، ولجأ الأب الذي سبق له العمل في فرقة «علي الكسار» قبل ميلاد طفله الوحيد بعامين، لأصدقائه القدامى، ليتدرب نجله على أيديهم، فاستعان بالملحن نجيب السلحدار، وصاحبي فرقة موسيقية يدعيان حسن الأمزجي ومسعد مراد، وأصبح مقهى السلام والتجارة هو مقره الدائم في شارع محمد علي.
أول أجر للمطرب شفيق جلال
احترف شفيق جلال الغناء عام 1942، وكان يغني لـ محمد الكحلاوي وعبدالعزيز محمود وعبدالمطلب، وقضى عامين كمطرب أفراح فقط، يقدم فقرته وبعدها «ينزل يلم النقطة بالطربوش»، وبعدها اقترح عليه «محمد العامري» صاحب معرض تلفزيونات شهير بالعتبة، أن يذهب لصاحب سينما الحلمية، المحامي سيد وهبي، لأنه رشح نفسه في الانتخابات أمام المحامي الشهير أحمد حسن الباقوري، ونظم وقتها سرادق انتخابي عبارة عن أسبوع مجانا في السينما، وبالفعل قدمه صاحب السينما للجمهور، وغنى لهم «يا زينو» أغنية الكحلاوي الشهيرة التي كتب كلماتها خلوصي قماش، فأعجب به الجمهور، وقرر صاحب السينما أن يقدم فقرتين غنائيتين يوميا لمدة 7 أيام مقابل 14 جنيها، وقرر والد الطفل الموهوب طباعة 500 كارت ووزعها على الجمهور، وكان مكتوبا على الكارت (المطرب الشعبي شفيق جلال الشهير بالدكتور، تلميذ كلا من محمد الكحلاوي ونجيب السلحدار، ويقيم في شارع الموسكي ويجلس على مقهي السلام، ومستعد لإحياء الأفراح والليالي الملاح).
انتهت أيام الانتخابات، التي تعرف خلالها شفيق جلال، على ثنائي الطرب النسائي «إخلاص وثريا جمال»، وأثناء مشاركتهما في افتتاح محل حسين المليجي، تحدثتا معه عن هذا المطرب الصغير الذي يقلد الكحلاوي، فقرر أن يتعاقد معه مقابل 15 جنيها في الشهر، وفي اليوم التالي لتوقيع العقد، ذهب إليه المعلم «جلال محمود» متعهد حفلات الكحلاوي، وذهبا سويا إلى كازينو البسفور ليوقع عقدا لتقديم فقرة غنائية مقابل 30 جنيها في الشهر، وبعد 3 أيام وقع عقدا ثالث مع كازينو عدن، مقابل 30 جنيها في الشهر، لكن الأهم في هذا اليوم بالنسبة للمطرب الصغير أن صاحب الكازينو قال له تحب تتعشى إيه؟ فطلب (حمام وفراخ) لأنه قضى السنوات الماضية يأكل (فول وعدس وكشري.. بـ5 تعريفة).
السينما تفتح أبوابها لـ شفيق جلال بسبب كذبة شيكو
أصبح شفيق جلال مطربا في 3 كازينوهات بالإضافة للأفراح، وأضيف لها عقد رابع في فرقة «علي الكسار» بمسرح الأزبكية، وقرر الأب إنهاء علاقتهما باللوكاندة، واستئجار غرفة غسيل في حي القبيصي بالضاهر، لكن مع نهاية فصل الشتاء توقفت عقود المطرب الشاب، وكان عليه أن يبحث عن مكان صيفي للعمل لحين عودة نشاط جهات عمله، ولجأ إلى مسرح روض الفرج، وكان المصيف الشعبي الوحيد وقتها، وهناك التقى بصديقه القديم «عبده شيكو»، وأبلغه أن المخرج الكبير محمود ذو الفقار، سأل عليه في قهوة السلام، لأنه يرغب في إشراكه بفيلم سينمائي، وقتها لم يستطع المطرب الصغير النوم، ومع أول ضوء للنهار توجه لمنزل المخرج السينمائي، وحين التقاه عرف أن الموضوع مجرد كذبة من صاحبه، فشعر بالإحباط، لكن والده لم يستسلم، واستعان بمدير حسابات الاستوديو لسابق معرفته به، وطلب منه أن يتوسط لدى المخرج السينمائي ليسمع ابنه، وغنى الابن (يا زينو) للكحلاوي، وكان من بين الحاضرين عزيزة أمير، منتجة فيلم «سر طاقية الإخفاء» للكحلاوي، وسبق وعرضت على بطل الفيلم تقديم جزء ثان، لكنه طلب أجرا مبالغا فيه، لكنها حين سمعت المطرب الصغير الذي يجيد تقليد الكحلاوي، تعاقدت معه على 3 أفلام، ليكون ظهوره السينمائي الأول عبر فيلم «عودة طاقية الإخفاء».
فتحت الدنيا ذراعيها للمطرب الشعبي الموهوب، وأصبحت الإذاعة تبث أغانيه، وبعد قيام ثورة يوليو 1952، كان واحدا من 4 مطربين جرى اختيارهم لتقديم أغاني الثورة «ع الدوار» للمطرب محمد قنديل، و«ما خلاص اتعدلت» للمطرب أحمد عبدالله، و«البر أمان» للمطرب شفيق جلال، و«طينك على رأسك يا ولد عمي» للمطربة حورية حسن، لكن ظهور عبدالحليم حافظ في العام التالي، تسبب في تراجع الأضواء عن كل المطربين، وفق تصريحات إذاعية لشفيق جلال، وكان ممن تأثروا باللون الجديد الذي قدمه العندليب، لدرجة أن دخله المادي تجمد عند 3 جنيهات ونصف الجنيه فقط شهريا، رغم أنه كان متزوجا ولديه طفل، لكنه صبر وتحمل، إلى أن جاءت الفرصة التي أعادته للأضواء مرة أخرى.
عبدالحليم حافظ يعيد الأضواء لـ شفيق جلال
9 سبتمبر 1961، حفل الأندلس، ترتيب ظهور المطربين: عبدالحليم حافظ، وشكوكو وأحمد غانم وجواهر وشفيق جلال، لكن وصلت الساعة للثانية عشر ولم يحضر سوى شفيق جلال، وقتها قرر مسؤول البث التلفزيوني للحفل أن يبدأ بالمطرب الشعبي لحين حضور العندليب، وصعد المطرب الشعب للمسرح وغنى موال الصبر، وتفاعل معه الجمهور بانبهار، لدرجة أن منظم الحفل طلب منه تكرار الموال 3 مرات بناء على طلب الجمهور، وبعد أن انتهى، وجد عبدالحليم حافظ ينتظره خلف المسرح، واحتضنه وقال له: (أحسنت وأبدعت يا شفيق).
موال الصبر كان أشبه بالزلزال الذي اهتز له الوسط الفني، وتوالت بعدها الأغاني الجديدة للمطرب العائد للأضواء شفيق جلال، واضطر الكثير من المطربين لمجاراته في هذا اللون، لأن الأغنية الشعبية تحولت إلى وصفة نجاح مضمونة، لدرجة أن العندليب نفسه غنى بعدها «موال الصبر»، وفي المقابل كان شفيق جلال مقبلا على فرصة عمر جديدة مع السينما من خلال فيلم «خلي بالك من زوزو»، وتكرر ظهوره في عدة أفلام تتشابه مع نفس الدور، مثل (بمبة كشر، وحكايتي مع الزمن، ومين يقدر على عزيزة، وبديعة مصابني، وبالوالدين إحسانا) إضافة لعشرات الأفلام، لكن في هذا التوقيت أصبح نجله «جلال» طالبا في الثانوية العامة، وخشى أن يسخر منه زملاؤه بسبب الأدوار التي يقدمها، فاعلن أنه لن يقدم في السينما سوى أدوار ابن البلد الجدع، ورفض نوعية الأدوار التي كان يعرضها عليه المنتجون، وظل ملتزما بهذا القرار إلى أن فارق الدنيا في 19 مارس 2000.