خبراء في الشأن الإسرائيلي يحذرون من أزمة تكميم أفواه طالت حتى الدبلوماسيين وأجهزة الأمن
في مقابلة أجرتها شبكة "إن.بي.سي" الأمريكية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، دافع عن أداء حكومته وموقفها من التعديلات القضائية التي أثارت الكثير من الجدل، مؤكدا أنها ماضية صوب مزيد من "الديمقراطية".
لكن المعارضة تسوق أمثلة تفند هذا، وتبرهن على ما تراه "تضييقا" على الحريات العامة وتحركا نحو "الدكتاتورية".
ومن تلك الأمثلة، تعليمات وجهتها الأسبوع الماضي وزارة الخارجية الإسرائيلية وعلى رأسها إيلي كوهين إلى جميع موظفيها في إسرائيل وفي الخارج بشأن استخدامهم للشبكات الاجتماعية، وطالبتهم فيها بالامتناع عن إبداء أي آراء في القضايا السياسية بما في ذلك نشر المشاركات أو إبداء الإعجاب أو ما شابه.
وذكرت وسائل إعلام رسمية يوم الخميس الماضي، أن تلك التعليمات جاءت بعد توبيخ نائبة سفارة إسرائيل في باريس رونيت بن دور التي روجت لدعوات ضد حكومة نتنياهو على حسابها على تويتر، في أعقاب إقرار الكنيست الإسرائيلي قانون التعديلات القضائية التي تحد من صلاحيات المحكمة العليا.
ويشير المعارضون كذلك إلى اتصال تلقاه متطوع في الشرطة الإسرائيلية من رئيسه المباشر يطالبه بحذف منشور على فيسبوك ينتقد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بسبب خطابه الذي وصفه بأنه "تحريضي" ضد المتظاهرين، كما طالبه بإعادة عهدة الشرطة التي بحوزته.
وقال ليئور ليفشيتز، الذي أمضى عقودا متطوعا في الشرطة، لصحيفة يديعوت أحرونوت إنه كتب المنشور بعد أن شعر بالأسى للضباط الذين يتحملون وطأة الانتقادات لرفضهم العنف في المظاهرات. وأضاف أنه لم يكن يتوقع أن يتلقى رد فعل سريعا هكذا من الشرطة، وأنه يشعر وكأنه في "دولة بوليسية".
وناشد ليفشيتز في المنشور بن غفير أن يهدئ من نبرته، وأن يوقف "التحريض" ضد المحتجين.
وأصدرت الشرطة بيانا قالت فيه إن ليفشيتز "متطوع مخضرم ومهني ومخلص" لكنه خالف تعليماتها التي تمنع المتطوعين من نشر أي رأي عام أو موقف سياسي. وأضافت أنه تم توضيح هذا للمتطوع، وأنه استُدعي لحضور جلسة استماع.
* تحذيرات
في الشهر الماضي، وجه رؤساء جامعات ومعاهد بحثية وعلماء إسرائيليون رسالة إلى نتنياهو يحذرون فيها من التضييق على الحريات بفعل قانون الإصلاحات القضائية، قائلين إن مكانة إسرائيل العلمية ستتراجع نتيجة لهذه القوانين.
وفي يونيو الماضي، وافقت اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية على مشروع قانون يعتبر التعبير عن الكراهية ضد اليهود المتدينين عنصرية، في خطوة أثارت جدلا بشأن حرية التعبير والقدرة على انتقاد السياسات والممارسات التي تمنح أفضلية للجماعات المتدينة، سواء في مجالات الخدمة العسكرية أو التعليم أو غيرها.
ويشتكي قادة المظاهرات الرافضة للتعديلات القضائية في إسرائيل من مضايقات مستمرة تتعلق بحرية التعبير.
وقال موقع العين السابعة الإسرائيلي الذي يرصد الانتهاكات في إسرائيل يوم الخميس الماضي إن أربعة من قادة الاحتجاج على التعديلات الدستورية رفعوا دعوى قضائية تطالب بتعويضات بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 620 ألف شيقل (نحو 170 ألف دولار) ضد أشخاص من اليمين الإسرائيلي سببوا لهم إزعاجا ونشروا أرقام هواتفهم على تويتر ودعوا إلى ابتزازهم.
ويرى الدكتور سليم بريك، المحاضر والخبير بالشأن الإسرائيلي، أن التوجهات الآن داخل الحكومة الإسرائيلية تذهب باتجاه التعتيم وعدم توضيح الأمور.
ويقول في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن حكومة نتنياهو فقدت السيطرة على كل شيء بعد المظاهرات التي خرجت احتجاجا على قانون الإصلاحات.
ويضيف أن مشاعر الغضب من التعديلات موجودة حتى بين أصحاب وظائف الخارجية والسفارات، لافتا إلى أن محاولات منع نشر أي آراء لموظفي الخارجية أمر جديد على إسرائيل.
واستطرد: "هناك محاولات لتكميم أفواه هؤلاء الموظفين، وهناك تغيير بكل المفاهيم في إسرائيل في الفترة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وبالحق في المعرفة، حتى أن هناك ملاحقة للأكاديميين في الجامعات بعد المظاهرات والاحتجاجات".
أما طلب الصانع، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، فيرى أن إجبار موظفي الخارجية وأجهزة الشرطة على حذف منشورات على منصات التواصل الاجتماعي يدل على "دكتاتورية النظام في إسرائيل وعدم ديمقراطيته"، خصوصا بعد سن قانون الإصلاحات.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي "واضح أن الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي أخذ منحى وبعدا كبيرا"، مشيرا إلى وجود حالة من العصيان والتمرد داخل الأجهزة الأمنية وأنها تزداد يوما بعد يوم.
وأضاف أن هناك أيضا تراجعا في مستوى الثقة بين هؤلاء وبين القيادة السياسية والسلطة التنفيذية بما يشكل تحديا جديا للحكومة نفسها.
ونوّه بأن التحركات الحكومية فيما يتعلق بحرية التعبير وحذف المنشورات وتحديد ما ينشر على صفحات الموظفين سيكون له انعكاس حقيقي في إسرائيل.
